ما معني الحب في الله ، وكيف يكون وعندما أقول لأحد : إني أحبك في الله فماذا يكون أساس تعاملي معه ، وكيف يكون التعامل ؟ ما علامات حب الله لي ؟
الحب :
هو من أسمى وأرقي العواطف الإنسانية ، فإذا توجهت هذه العاطفة النبيلة لله تعالي ، وكانت هي محور العلاقات بين المسلمين ، ذللت كثيراً من الصعاب ، وأثمرت كثيراً من الثمار الطيبة في حياة الأمة ، ولقد جاءت أدلة عديدة تؤكد هذا المعني الكريم ، وتبين المكانة الرفيعة لمن أنعم الله به عليه .
الحب في الله :
الأصل في الحب والبغض أن يكون لكل ما يحبه الله أو يبغضه ، فالله يحب التوابين والمتطهرين ، والمحسنين ، والمتقين ، والصابرين ، والمتوكلين والمقسطين ، والمقاتلين في سبيله صفا ، ولا يحب الظالمين والمعتدين والمسرفين والمفسدين ، والخائنين ، والمستكبرين .
شرط المحبة في الله :
1 - أن تكون لله وفي الله ، لا تكدِّرها المصالح الشخصية ، ولا تنغصها المطامع الدنيوية ، بل يحب كل واحد منهما الآخر لطاعته لله ، وإيمانه به ، وامتثاله لأوامره ، وانتهائه عن نواهيه ، ولما سئل أبو حمزة النيسابوري عن المتحابين في الله عز وجل من هم ؟ فقال : " العاملون بطاعة الله ، المتعاونون على أمر الله ، وإن تفرقت دورهم وأبدانهم " .
مدي استمرارية المحبة في الله :
الأخوة في الله لا تنقطع بنهاية هذه الدنيا ، بل هي مستمرة في الآخرة وهي المحبة الدائمة الباقية إلى يوم الدين ، فإن كل محبة تنقلب عداوة يوم القيامة إلا ما كانت من أجل الله وفي طاعته ،
قال سبحانه وتعالي : { الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين } ( الزخرف 67 ) ،
وقد روى الترمذي أن أعرابياً جاء إلى النبي - صل الله عليه وسلم - فقال : يا محمد ، الرجل يحب القوم ولما يلحق بهم ، فقال - صل الله عليه وسلم : ( المرء مع من أحب ) .
وأما من أحب شخصا لهواه ، أو لدنياه ، أو لمصلحة عاجلة يرجوها منه ، فهذه ليست محبة لله بل هي محبة لهوى النفس ، وهى التى توقع أصحابها في الكفر والفسوق والعصيان عياذاً بالله من ذلك .
الادلة عن الحب في الله :
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رسول الله صل الله عليه وسلم قال : " إن من عباد الله لأناساً ما هم بأنبياء ولا شهداء , يغبطهم الأنبياء والشهداء يوم القيامة بمكانهم في الله " قالوا : يا رسول الله , تخبرنا من هم ؟ قال : " هم قوم تحابوا بروح الله , على غير أرحام بينهم , ولا أموال يتعاطونها , فوالله إن وجوههم لنور , وإنهم على نور , لا يخافون إذا خاف الناس , ولا يحزنون إذا حزن الناس . وقرأ هذه الآية : " ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون " [ أخرجه أبو داود : 3527 وغيره , وصححه الألباني رحمهم الله ]
فضل الحب في الله :
أخرج الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صل الله عليه وسلم : ( إن الله يقول يوم القيامة : أين المتحابين بجلالي ؟ اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظلَّ إلا ظلِّي ) صحيح مسلم 2566 .
وفي حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله ذكر منهم :" ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه , وتفرقا عليه " أخرجه البخاري ومسلم .
إن التحابب في الله والأخوة في دينه من أفضل القربات , ولها شروط بها يلتحق المتصاحبون بالمتحابين في الله , وفيها حقوق بمراعاتها تصفو الأخوة عن شوائب الكدر ونزغات الشيطان , فبالقيام بحقوقها يُتقرَّب إلى الله زلفي , وبالمحافظة عليها تنال الدرجات العلا .
حقوق الحب في الله وكيفية التعامل مع من تحب في الله :
أولاً : الحب والمناصرة والتأييد والمؤازرة ومحبة الخير لهم ,
كما قال عليه الصلاة والسلام :" لا يؤمن أحدكم حتي يحب لأخيه ما يحب لنفسه " متفق عليه .
ثانياً : التواصي بالحق والصبر وأداء النصيحة , والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر , وتبيين الطريق له ، وإعانته علي الخير ودفعه إليه ,
يقول تعالي :" ( والعصر ( 1 ) إن الإنسان لفي خسر ( 2 ) إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر ( 3 ) ) سورة العصر .
قال تعالي :" وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ " ( التوبة 71 ) .
ثالثاً : القيام بالأمور التي تدعو إلى التوادد وزيادة الصلة , وأداء الحقوق ,
قال عليه الصلاة والسلام :" حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتٌّ : قِيلَ مَا هُنَّ يَا رَسُولَ اللَّه ؟ قَالَ : إِذَا لَقِيتَهُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ ،وَإِذَا دَعَاكَ فَأَجِبْهُ ، وَإِذَا اسْتَنْصَحَكَ فَانْصَحْ لَهُ ، وَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللَّهَ فَسَمِّتْهُ ، وَإِذَا مَرِضَ فَعُدْهُ ، وَإِذَا مَاتَ فَاتَّبعْهُ " ( رواه مسلم 2162 ) .
رابعاً : لين الجانب , وصفاء السريرة , وطلاقة الوجه , والتبسط في الحديث والحرص على نبذ الفرقة والاختلاف ,
قال عليه الصلاة والسلام :" لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق " ( رواه مسلم 2626 ) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ( ولو كان كل ما اختلف مسلمان في شيء تهاجرا , لم يبق بين المسلمين عصمةٌ ولا أخوة ).
خامساً : دلالته على الخير , وإعانته على الطاعة , وتحذيره من المعاصي والمنكرات , وردعه عن الظلم والعدوان ,
قال صل الله عليه وسلم :" لْيَنْصُرْ الرَّجُلُ أَخَاهُ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا إِنْ كَانَ ظَالِمًا فَلْيَنْهَهُ فَإِنَّهُ لَهُ نَصْرٌ ، وَإِنْ كَانَ مَظْلُومًا فَلْيَنْصُرْهُ " [ البخاري (6/65) ومسلم (4/1998) ] .
سادساً : تكتمل المحبة بين المؤمنين في صورة عجيبة ومحبة صادقة عندما يكونان متباعدين , وكل منهما يدعو للآخر بظهر الغيب في الحياة وبعد الممات ,
قال صل الله عليه وسلم :" دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة؛ عند رأسه ملَك موَكّل كلما دعا لأخيه بخير قال الملَك الموكل به: آمين ولك بمثل " رواه مُسلِمٌ .
قال صل الله عليه وسلم :" ما من عبد مسلم يدعو لأخيه بظهر الغيب إلا قال الملَك : ولك بمثل " رواه مُسلِمٌ .
سابعاً : تلمس المعاذير لأخيك المسلم , والذب عن عرضه في المجالس , وعدم غيبته أو الاستهزاء به , وحفظ سره , والنصيحة له إذا استنصح لك , وعدم ترويعه وإيذائه بأي نوع من أنواع الأذى ,
قال صل الله عليه وسلم :" لا يحل لمسلم أن يروع مسلماً " رواه أبو داود وغيره ، وقال الألباني : ( صحيح ) .
تاسعا : إعانة الأخ المسلم ومساعدته وقضاء حاجاته , وتفريج كربته , وإدخال السرور على نفسه ,
قال عليه الصلاة والسلام :" أحب الناس إلى الله تعالي أنفعهم للناس , وأحب الأعمال إلى الله تعالي سرور تدخله على مسلم , أو تكشف عنه كربة , أو تقضي عنه ديناً , أو تطرد عنه جوعاً , ولأن أمشي مع أخي في حاجة أحب إليَّ من أن أعتكف في هذا المسجد – يعني مسجد المدينة – شهراً " [ رواه ابن أبي الدنيا وحسَّنه الألباني ] .
تاسعا : تفقد الأحباب والإخوان والسؤال عنهم وزيارتهم ,
عن أبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - عن النبي صل الله عليه وسلم ( أَنَّ رَجُلًا زَارَ أَخًا له في قَرْيَةٍ أُخْرَي فَأَرْصَدَ الله له علي مَدْرَجَتِهِ مَلَكًا فلما أتي عليه قال أَيْنَ تُرِيدُ ؟ قال : أُرِيدُ أَخًا لي في هذه الْقَرْيَةِ , قال : هل لك عليه من نِعْمَةٍ تَرُبُّهَا ؟ قال : لَا , غير أنى أَحْبَبْتُهُ في اللَّهِ عز وجل ، قال : فَإِنِّي رسول اللَّهِ إِلَيْكَ بأَنَّ اللَّهَ قد أَحَبَّكَ كما أَحْبَبْتَهُ فيه ) ( رواه مسلم 2567 ) .
وقَالَ رَسُولُ الله صَلَّ الله عَلَيْهِ وَسَلَّم :"مَنْ عَادَ مَرِيْضَاً ، أو زَارَ أخَاً لَهُ فِي الله نَادَاه مُنَادٍ : أن طِبْتَ ، وَطَابَ مَمْشَاكَ ، وَتَبَوَّأتَ مِنَ الجَنَّة مَنْزِلاً " رواه الترمذي وابن ماجه ، وقَالَ الألباني : حسن ( صحيح الجامع : 6387 ) .
عاشرا : تقديم الهدية والحرص علي أن تكون مفيدة ونافعة , مثل إهداء الكتاب الإسلامي , أو الشريط النافع , أو مسواك أو غيره , وقد " كان رسول الله صل الله عليه وسلم يقبل الهدية ويثيب عليها " رواه البخاري .