بسم الله الرحمن الرحيم
الليل سواد وظلام، وظلمة وقتام، وفيه تخفى الأشياء، ويتلاشى الضياء: {وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ} [يس: 37]، فيه يستتر الناس: {وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ} [الرعد: 10]، فيه يسكنون، وفي النهار يعملون: {وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [القصص: 73].
هذا هو المشاهد المعروف فأي أنوار في الليل وأي ضياء في الظلام؟ إنه ليل العبادة، إنها ليالي التهجد والزيادة تزدان بالأنوار، وتسطع كالنهار، ونحن نستقبل العشر الأواخر من رمضان يجدر بنا أن نتأمل في أنوار الليل.
هذه ليالي القرآن، وهو نور وأي نور قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين: {وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ} [الشورى: 52].
ويدوي به القراء فيسمعون أهل الأرض والسماء، يتلى في المحاريب، ويرتل في البيوت، فمن مفتتح سورة ومن مختتم أخرى، ومن بادئ بالفاتحة ومن خاتم بالناس، ومن بالٍ خاشع ومن متذلل خاشع، فإذا النور تشرق به القلوب، وتبصر به الأبصار، وفي العشر التهجد والصلاة، وما أدراك ما الصلاة؟ (الصلاة: نور، والصدقة وبرهان)، فمنهم قائم ومنهم جالس أو من راكع ومن ساجد، وهي ليالي الاعتكاف فيها الخلوة مع الله، والتفرغ للذكر والمناجاة، وهذا مصدر نور عظيم: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} [النور: 35].
وقد قيل للحسن: "ما بال أهل الليل على وجوههم نور؟" قال: "خلوا إلى ربهم فألبسهم من نوره".
وهو ليل الاقتداء بخاتم الرسل والأنبياء في اعتكافه وجده واجتهاده، وهو الذي شع النور ونشر الضياء.
{إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45) وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا (46)} [الأحزاب]، وفيها ليلة القدر: {تَنَـزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ} [القدر: 4]، والملائكة مخلوقات نورانية، فلله كم في هذه الليالي من أنوار، تتحول بها الظلماء إلى الضياء، فتستنير القلوب، وتستضيء الأبصار.