الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين:
أما بعد: -
أيها المسلمون : ومما كان الرسول عليه الصلاة والسلام يحرص عليه في هذه العشر الاعتكاف في المسجد تفرغاً لعبادة ربه وتحرياً لليلة القدر ، فالاعتكاف في رمضان سنة فعلية فعلها النبي صلى الله عليه وسلم في حياته ، واعتكف أزواجه من بعده ، وحكى أهل العلم الإجماع على أنه مسنون، وينبغي أن يكون الاعتكاف على الوجه المشروع وهو أن يلزم مسجداً لطاعة الله سبحانه بحيث يتفرغ من أعمال الدنيا إلى طاعة الله ، والصحيح أن الاعتكاف يبدأ من غروب شمس يوم 20، قال العلاَّمة العثيمين :جمهور أهل العلم على أن ابتداء الاعتكاف من ليلة إحدى وعشرين لا من فجر إحدى وعشرين ، وإن كان بعض العلماء ذهب إلى أن ابتداء الاعتكاف من فجر إحدى وعشرين مستدلاًّ بحديث عائشة رضي الله عنها عند البخاري : ( فلما صلى الصبح دخل معتكفه)لكن أجاب الجمهور عن ذلك بأن الرسول عليه الصلاة والسلام انفرد من الصباح عن الناس،وأما نية الاعتكاف فهي من أول الليل،لأن العشر الأواخر تبتدىء من غروب الشمس يوم عشرين" اهـ
وأما خروجه :فإنه يخرج إذا غربت الشمس من آخر يوم من أيام رمضان .
ويكثر فيه من أنواع القربات والنوافل والطاعات من صلاة وقرآن وطلب علم وذكر، فلا يبيع ولا يشتري ولا يخرج من المسجد إلا لما لابد له منه،ولا يتبع جنازة ولا يعود مريضا.
أما ما أحدثه بعض الناس اليوم فهذا مما ينافي مقتضى الاعتكاف والحكمة من مشروعيته كما يفعل بعضهم من تجاذب أطراف الحديث وخاصة في أمور الدنيا وإقامة المسابقات وإحضار المسجلات والاستماع إلى الأناشيد، والإكثار من الاتصال بالهواتف المحمولة لغير حاجة نسأل الله لنا ولهم الهداية .
ولا بأس بالحديث المباح أحياناً، أو لتنشط للعبادة ولو كان في مدارسة القرآن وتفسيره أو العلم فهو أفضل، وهناك أحكام أخرى للاعتكاف ينبغي التفقه فيها قبل الدخول فيه.
أيها المسلمون: إن من قلة الفقه في الدين إن يُقدِّم بعض الناس وخاصة الشباب الاعتكافَ على بره بوالديه أو على واجباته تجاه أهله أو أمور أخرى مهمة، فتجد بعضهم يترك والديه أو أحدهما ليتفرغ للاعتكاف وهم في حاجته مع العلم أن البر بالوالدين فرض وواجب بينما الاعتكاف سنة، كيف والله جلا وعز يقول كما في الحديث القدسي (وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ).خ.
أيها الآباء والأمهات، لا تتركوا أبناءكم يعتكفون لوحدهم فإن الجماعات الحزبية من الخوارج والصوفية وغيرهم يستغلون هذه التجمعات لنشر أفكارهم وقد رأينا وسمعنا مثل ذلك بأنفسنا أثناء الاعتكاف، وتذكرون خلايا الخوارج السبع التي ضبطت قبل سنتين كيف وأنهم بايعوا أميرهم في وسط الحرم المكي!! فلا تتساهلوا في مثل هذا أبداً،وبينوه لغيركم.
أيها المسلمون :إن من حيل الشيطان والتي تنطلي على كثير من المسلمين وخاصة في هذه الأيام والليالي المباركة من هذا الشهر المبارك هو ما يصرفهم به عن استغلالها بالطاعات والإكثار منها إلى إشغالهم عنها باللعب أو متابعة الفضائيات أو بكثرة التسوق والمشتريات من أجل العيد مع أنهم يمكن أن يشتروا هذه الأمور قبل ذلك بل قبل رمضان ليتفرغوا للعبادة في رمضان، فتجد أن المسلمين يصلون القيام ويقرأون القرآن ويبكون ويدعون ويتضرعون إلى الله أن يتقبل منهم ، بينما تجد صاحبنا هذا يلعب أو يجوب الأسواق طولاً وعرضاً صعوداً وهبوطاً هو وأسرتُه في وقتٍ ينزل الله فيه في كل ليلة إلى سماء الدنيا فيقول: (هل من سائل فأعطيه هل من مستغفر فأغفر له هل من تائب فأتوب عليه حتى يطلع الفجر).
فسبحان الله ما أعظم الخسارة! وما أكبر التفريط!، فالبدار البدار أيها المسلمون إلى اغتنام ما بقي من هذا الشهر الكريم فلا ندري والله هل كُتب لنا أن نصوم رمضاناً آخر أم أن هذا هو آخر رمضان في حياتنا؟ ولا حول ولا قوة إلا بالله.