قال الإمام ابن القيم رحمه الله : وقد جرت لي مناظرة بمصر مع أكبر من يشير إليه اليهود بالعلم والرياسة ، فقلت له في أثناء الكلام :
أنتم بتكذيبكم محمداً صل الله عليه وسلم قد شتمتم الله أعظم شتيمة .
فعجب من ذلك ، وقال : مثلك يقول هذا الكلام !
فقلت له : اسمع الآن تقريره ،
إذا قلتم : إن محمداً ملك ظالم قهر الناس بسيفه وليس برسول من عند الله ، وقد أقام ثلاثاً وعشرين سنة يدعى أنه رسوله الله أرسله إلى الخلق كافة ،
ويقول : أمرني الله بكذا ونهاني عن كذا وأوحى إلى كذا ، ولم يكن من ذلك شئ . ويقول : إنه أباح لي سبي ذراري من كذبني وخالفني نساءهم وغنيمة أموالهم وقتل رجالهم ، ولم يكن من ذلك شئ ، وهو يدأب في تغيير دين الأنبياء ومعاداة أممهم ونسخ شرائعهم ،
فلا يخلو إما أن تقولوا أن الله سبحانه كان يطلع على ذلك ويشاهده ويعلمه
أو تقولوا أنه خفي عنه ولم يعلم به
فإن قلتم لم يعلم به نسبتموه إلى أقبح الجهل وكان من علم ذلك أعلم منه
وإن قلتم بل كان ذلك كله بعلمه ومشاهدته واطلاعه عليه
فلا يخلو إما أن يكون قادراً على تغييره والأخذ على يديه ومنعه من ذلك أو لا ،
فإن لم يكن قادراً فقد نسبتموه إلى أقبح العجز المنافي للربوبية
وإن كان قادراً وهو مع ذلك يعزه وينصره ويؤيده ويعليه ويعلي كلمته ، ويجيب دعاءه ويمكنه من أعدائه ويظهر على يديه من أنواع المعجزات والكرامات ما يزيد على الألف ولا يقصده أحد بسوء إلا أظفره به ولا بدعوة إلا استجابها له فهذا من أعظم الظلم والسفه الذي لا يليق نسبته إلى آحاد العقلاء فضلاً عن رب الأرض والسماء فكيف وهو يشهد له بإقراره على دعوته وبتأييده وبكلامه وهذه عندكم شهادة زور وكذب .
فلما سمع ذلك قال معاذ الله أن يفعل الله هذا بكاذب مفتر بل هو نبي صادق من اتبعه أفلح وسعد .
قلت : فما لك لا تدخل في دينه ؟
قال : إنما بعث إلى الأميين الذين لا كتاب لهم ، وأما نحن فعندنا كتاب نتبعه .
قلت له : غلبت كل الغلب ، فإنه قد علم الخاص والعام أنه أخبر أنه رسول الله إلى جميع الخلق ، وإن من لم يتبعه فهو كافر من أهل الجحيم ، وقاتل اليهود والنصارى وهم أهل كتاب ، وإذا صحت رسالته وجب تصديقه في كل ما أخبر به ، فأمسك ولم يحر جواباً .