سكن آدم وحواء في الجنة:
كان آدم يحس الوحدة.. فخلق الله حواء من أحد منه، فسمّاها آدم حواء.
وأسكنهما الجنة. لا نعرف مكان هذه الجنة. فقد سكت القرآن عن مكانها واختلف
المفسرون فيها على خمسة وجوه. قال بعضهم: إنها جنة المأوى، وأن مكانها
السماء. ونفى بعضهم ذلك لأنها لو كانت جنة المأوى لحرم دخولها على إبليس
ولما جاز فيها وقوع عصيان. وقال آخرون: إنها جنة المأوى خلقها الله لآدم
وحواء. وقال غيرهم: إنها جنة من جنات الأرض تقع في مكان مرتفع. وذهب فريق
إلى التسليم في أمرها والتوقف.. ونحن نختار هذا الرأي. إن العبرة التي
نستخلصها من مكانها لا تساوي شيئا بالقياس إلى العبرة التي تستخلص مما حدث
فيها.
لم يعد يحس آدم الوحدة. كان يتحدث مع حواء كثيرا. وكان الله قد سمح لهما
بأن يقتربا من كل شيء وأن يستمتعا بكل شيء، ما عدا شجرة واحدة. فأطاع آدم
وحواء أمر ربهما بالابتعاد عن الشجرة. غير أن آدم إنسان، والإنسان ينسى،
وقلبه يتقلب، وعزمه ضعيف. واستغل إبليس إنسانية آدم وجمع كل حقده في صدره،
واستغل تكوين آدم النفسي.. وراح يثير في نفسه يوما بعد يوم. راح يوسوس إليه
يوما بعد يوم: (هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا
يَبْلَى) .
تسائل أدم بينه وبين نفسه. ماذا يحدث لو أكل من الشجرة ..؟ ربما تكون شجرة
الخلد حقا، وكل إنسان يحب الخلود. ومرت الأيام وآدم وحواء مشغولان بالتفكير
في هذه الشجرة. ثم قررا يوما أن يأكلا منها. نسيا أن الله حذرهما من
الاقتراب منها. نسيا أن إبليس عودهما القديم. ومد آدم يده إلى الشجرة وقطف
منها إحدى الثمار وقدمها لحواء. وأكل الاثنان من الثمرة المحرمة.
ليس صحيحا ما تذكره صحف اليهود من إغواء حواء لآدم وتحميلها مسئولية الأكل
من الشجرة. إن نص القرآن لا يذكر حواء. إنما يذكر آدم -كمسئول عما حدث-
عليه الصلاة والسلام. وهكذا أخطأ الشيطان وأخطأ آدم. أخطأ الشيطان بسبب
الكبرياء، وأخطأ آدم بسبب الفضول.
لم يكد آدم ينتهي من الأكل حتى اكتشف أنه أصبح عار، وأن زوجته عارية. وبدأ
هو وزوجته يقطعان أوراق الشجر لكي يغطي بهما كل واحد منهما جسده العاري.
وأصدر الله تبارك وتعالى أمره بالهبوط من الجنة.
هبوط آدم وحواء إلى الأرض:
وهبط آدم وحواء إلى الأرض. واستغفرا ربهما وتاب إليه. فأدركته رحمة ربه
التي تدركه دائما عندما يثوب إليها ويلوذ بها ... وأخبرهما الله أن الأرض
هي مكانهما الأصلي.. يعيشان فيهما، ويموتان عليها، ويخرجان منها يوم البعث.
يتصور بعض الناس أن خطيئة آدم بعصيانه هي التي أخرجتنا من الجنة. ولولا هذه
الخطيئة لكنا اليوم هناك. وهذا التصور غير منطقي لأن الله تعالى حين شاء
أن يخلق آدم قال للملائكة: "إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً" ولم
يقل لهما إني جاعل في الجنة خليفة. لم يكن هبوط آدم إلى الأرض هبوط إهانة،
وإنما كان هبوط كرامة كما يقول العارفون بالله. كان الله تعالى يعلم أن آدم
وحواء سيأكلان من الشجرة. ويهبطان إلى الأرض. أما تجربة السكن في الجنة
فكانت ركنا من أركان الخلافة في الأرض. ليعلم آدم وحواء ويعلم جنسهما من
بعدهما أن الشيطان طرد الأبوين من الجنة، وأن الطريق إلى الجنة يمر بطاعة
الله وعداء الشيطان.