بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى { قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ }[النور:54]
وقال جل وعز { فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }[النور:63]
وقال سبحانه { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا }[الأحزاب:36]
قال ابن كثير رحمه الله : فهذه الآية عامة في جميع الأمور ، وذلك أنه إذا حكم الله ورسوله بشيء ، فليس لأحد مخالفته ولا اختيار لأحد ها هنا ، ولا رأي ولا قول .اهـ
عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صل الله عليه وسلم : " أنهكوا الشوارب ، وأعفوا اللحى " أخرجه البخاري (10/5893) ، ومسلم (2/259) ، وغيرهما .
وكان ابن عمر رضي الله عنهما إذا حج أو اعتمر قبض على لحيته فما فضل أخذه .
وجاء في السيرة قصة المجوس الذين وفدوا على المدينة ودخلا على رسول الله صل الله عليه وسلم وقد حلقا لحاهما وأعفيا شواربهما ، فكره النظر إليهما وقال : " ويلكما من أمركما بهذا ؟ ! " قالا : أمرنا ربنا - يعنيان كسرى - فقال رسول الله صل الله عليه وسلم : " ولكن ربى أمرنى بإعفاء لحيتى وقص شاربى " حسنه الشيخ الألباني في تعليقه على فقه السيرة .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صل الله عليه وسلم : " جزوا الشوارب ، وأرخوا اللحى ، خالفوا المجوس " أخرجه مسلم (2/260) وغيره .
وعن جابر بن عبدالله رضي الله عنه قال : " كنا نُعفي السبال إلا في حج أو عمرة " السبال يعني اللحى . أخرجه أبو داود (4/4198) بإسناد صحيح .
وعن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال : " كان رسول الله صل الله عليه وسلم كثير شعر اللحية " . صحيح مسلم (2344) .
وعن علي رضي الله عنه قال : " كان رسول الله صل الله عليه وسلم كث اللحية " مسند أحمد (796 ,684) بإسناد حسن .
وجاء في حديث ابن عباس رضي الله عنهما في وصف النبي صل الله عليه وسلم : " قد ملأت لحيته من هذه إلى هذه حتى كادت تملأ نحره " مسند أحمد (3410) والترمذي في الشمائل (393) وهو صحيح .
أقوال المذاهب الأربعة في حكم حلق اللحية :
الحنفية : قال محمد بن الحسن - صاحب أبي حنيفة - رحمهما الله :
أخبرنا أبو حنيفة عن الهيثم عن ابن عمر - رضي الله عنهما - : أنه كان يقبض على لحيته ثم يقص ما تحت القبضة ، قال محمد : وبه نأخذ ، وهو قول أبي حنيفة ( الآثار 900 ) .
وهو المعتمد في المذهب ، قال ابن عابدين :
الأخذ من اللحية دون القبضة ( فوق القبضة ) ، كما يفعله بعض المغاربة ومخنثة الرجال لم يبحه أحد ( الحاشية 2/417 ) .
المالكية : جاء في مواهب الجليل شرح مختصر الشيخ خليل :
وحلق اللحية لا يجوز وكذلك الشارب وهو مُثلة وبدعة , ويؤدب من حلق لحيته أو شاربه إلا أن يريد الإحرام بالحج ويخشى من طول شاربه .اهـ
وأتفق أبو الحسن المالكي في شرحه والعدوي في حاشيته على ( كفاية الطالب ) على أن حلق اللحية بدعة محرمة في حق الرجل .
وقال أبو العباس القرطبي المالكي في المفهم : لا يجوز حلقها ولا نتفها ولا قص الكثير منها .اهـ
الشافعية : قد نص الشافعي على تحريم حلق اللحية في كتابه الأم .
وقال الحليمي الشافعي : لا يحل لأحد أن يحلق لحيته ولا حاجبيه ، وإن كان له أن يحلق شاربه ، لأن لحلقه فائدة ، وهي أن لا يعلق به من دسم الطعام ورائحته ما يكره ، بخلاف حلق اللحية فإنه هُجنة وشهرة وتشبه بالنساء ، فهو كجبِّ الذكر ( الاعلام لابن الملقن 1/711 ) .
وقال النووي في شرحه على مسلم(3/151) :
وجاء في رواية البخاري وفروا اللحى فحصل خمس روايات أعفوا وأوفوا وأرخوا وارجوا ووفروا ومعناها كلها تركها على حالها هذا هو الظاهر من الحديث الذي تقتضيه ألفاظه وهو الذي قاله جماعة من أصحابنا وغيرهم من العلماء .
والمختار ترك اللحية على حالها وألا يتعرض لها بتقصير شئ أصلا والمختار في الشارب ترك الاستئصال والاقتصار على ما يبدو به طرف الشفة والله أعلم .
الحنابلة : معلوم من مذهب الإمام أحمد أنه يأخذ بالحديث ولا يتعداه وبفعل الصحابة رضي الله عنهم لذلك فالإعفاء عنده واجب ويجوز أخذ ما زاد عن القبضة لفعل الصحابة .
قال ابن مفلح في الفروع (1/92) : ويعفي لحيته وفي المذهب ما لم يستهجن طولها ويحرم حلقها .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية ( شرح العمدة 1/182، 236 ) :
وأما إعفاء اللحية فإنه يترك ، ولو أخذ ما زاد على القبضة لم يكره ، نص عليه ، كما تقدم عن ابن عمر ، وكذلك أخذ ما تطاير منها .
وقال شيخ الإسلام ( الفروع 2/129 ) : ويحرم حلق اللحية .