اولا : بسم الله الرحمن الرحيم
الأم ترى الأب ينفق ما لا يتناسب مع مرتبه.. وترى الابنة ترتدي ما هو أكبر
كثيرا من مرتبها أو مصروفها.. ولو سألت الأم الأب أو الابنة من أين لك هذا؟
لما فسد المجتمع.. ولكن الفساد يأتي من أننا نغمض أعيننا عن المال الحرام.
بماذا
ردت مريم عليها السلام؟ {قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ الله إِنَّ الله
يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [آل عمران: 37] اذن فطلاقة قدرة
الله لا يحكمها قانون.. لقد لفتت مريم زكريا عليهما السلام إلى طلاقة
القدرة.. فدعا زكريا ربه في قضية لا تنفع فيها الا طلاقة القدرة.. فهو رجل
عجوز وامرأته عجوز وعاقر ويريد ولدا.. هذه قضية ضد قوانين الكون.. لأن
الانجاب لا يتم الا وقت الشباب، فإذا كبر الرجل وكبرت المرأة لا ينجبان..
فما بالك إذا كانت الزوجة أساسا عاقرا.. لم تنجب وهي شابة وزوجها شاب..
فكيف تنجب وهي عجوز وزوجها عجوز.. هذه مسألة ضد القوانين التي تحكم البشر..
ولكن الله وحده القادر على أن يأتي بالقانون وضده.. ولذلك شاء أن يرزق
زكريا بالولد وكان.. ورزق زكريا بابنه يحيى.
إذن كل شيء في هذا الكون باسم الله.. يتم باسم الله وبإذن من الله.. الكون تحكمه الأسباب نعم ولكن ارادة الله فوق كل الأسباب.
أنت
حين تبدأ كل شيء باسم الله.. كأنك تجعل الله في جانبك يعينك.. ومن رحمة
الله سبحانه وتعالى أنه علمنا أن نبدأ كل شيء باسم الله.. لأن الله هو
الاسم الجامع لصفات الكمال سبحانه وتعالى.. والفعل عادة يحتاج إلى صفات
متعددة.. فأنت حين تبدأ عملا تحتاج إلى قدرة الله وإلى عونه وإلى رحمته..
فلو أن الله سبحانه وتعالى لم يخبرنا بالاسم الجامع لكل الصفات.. كان علينا
أن نحدد الصفات التي نحتاج إليها.. كأن نقول باسم الله القوي وباسم الله
الرازق وباسم الله المجيب وباسم الله القادر وباسم الله النافع.. إلى غير
ذلك من الأسماء والصفات التي نريد أن نستعين بها.. ولكن الله تبارك وتعالى
جعلنا نقول بسم الله بسم الله بسم الله الجامع لكل هذه الصفات.
على أننا
لابد أن نقف هنا عند الذين لا يبدأون أعمالهم بسم الله وإنما يريدون
الجزاء المادي وحده.. إنسان غير مؤمن لا يبدأ عمله باسم الله.. وإنسان مؤمن
يبدأ كل عمل وفي باله الله.. كلاهما يأخذ من الدنيا لأن الله رب للجميع..
له عطاء ربوبية لكل خلقه الذين استدعاهم للحياة.. ولكن الدنيا ليست هي
الحياة الحقيقية للإنسان.
بل الحياة الحقيقية هي الآخرة.. الذي في باله
الدنيا وحدها يأخذ بقدر عطاء الربوبية.. بقدر عطاء الله في الدنيا.. والذي
في باله الله يأخذ بقدر عطاء الله في الدنيا والآخرة.. ولذلك يقول الحق
تبارك وتعالى: {الحمد للَّهِ الذي لَهُ مَا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض
وَلَهُ الحمد فِي الآخرة وَهُوَ الحكيم الخبير} [سبأ: 1] لأن المؤمن يحمد
الله على نعمه في الدنيا.. ثم يحمده عندما ينجيه من النار والعذاب ويدخله
الجنة في الآخرة.. فلله الحمد في الدنيا والآخرة.
ورسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بباسم الله الرحمن الرحيم أقطع».
ومعنى
أقطع أي مقطوع الذنب أو الذيل.. أي عمل ناقص فيه شيء ضائع.. لانك حين لا
تبدأ العمل باسم الله قد يصادفك الغرور والطغيان بأنك أنت الذي سخرت ما في
الكون ليخدمك وينفعل لك.. وحين لا تبدأ العمل باسم الله.. فليس لك عليه
جزاء في الآخرة فتكون قد أخذت عطاءه في الدنيا.. وبترت أو قطعت عطاءه في
الآخرة.. فإذا كنت تريد عطاء الدنيا والآخرة. فأقبل على كل عمل باسم الله..
قبل أن تأكل قل باسم الله لأنه هو الذي خلق لك هذا الطعام ورزقك به..
عندما تدخل الامتحان قل بسم الله فيعينك على النجاح.. عندما تدخل إلى بيتك
قل باسم الله لأنه هو الذي يسر لك هذا البيت.. عندما تتزوج قل باسم الله
لانه هو الذي خلق هذه الزوجة وأباحها لك.. في كل عمل تفعله ابدأه باسم
الله.. لأنها تمنعك من أي عمل يغضب الله سبحانه وتعالى.. فأنت لا تستطيع أن
تبدأ عملا يغضب الله باسم الله.. اذا أردت أن تسرق أو أن تشرب الخمر.. أو
أن تفعل عملا يغضب الله.. وتذكرت بسم الله.. فإنك ستمتنع عنه.. ستستحي أن
تبدأ عملا باسم الله يغضب الله.. وهكذا ستكون أعمالك كلها فيما أباحه الله.