هذه هي التي يُخطب ودّها:
ورد أنّ شخصاً جاء إلى النبي (ص) فقال له: ((إن
لي زوجة إذا دخلت تلقّتني، وإذا خرجت شيعّتني، وإذا رأتني مهموما، قالت:
ما يهمّك؟ إن كنت تهتم لرزقك فقد تكفّل به غيرك، وإن كنت تهتم بأمر آخرتك
فزادك الله هماً!! فأبدى (ص) إعجابه بها قائلاً: بشّرها بالجنة وقل لها:
إنّك عاملة من عمّال الله))(5).
إنّ
هذا الحديث الشريف يلتقي مع الحديث السابق في الجوهر والمضمون. فكما أنّ
المجاهد عامل من عمّال الله وأجره على الله الجنّة، فكذلك المرأة الصالحة
التي وصفها هذا الرجل للنبي (ص)، فما من أمنية يتمناها أي رجل في العالم
سوى أن تحتفي به زوجته كما يحتفي المضيف بضيفه الكريم، وأن تودّعه كما
تودّع الضيف العزيز. وإذا كان مهموماً طبّبت جراحه النفسية برقيق كلماتها
ودفء عاطفتها ودافق حنانها.
وقد صدق من قال: إنّ الرجل طفل كبير، فإذا ما أحسنت الزوجة معاملته اندفع ليثري الحياة ويواجه الصعاب بصدر رحب.
حسن التبعّل:
لكنّنا نحبّ أن نلفت الانتباه إلى نقطة
على جانب كبير من الأهمية فالحديث أعلاه وأمثاله في تركيز واضح على حسن
معاملة الزوجة لزوجها، وهو (حسن التبعّل)، لكنّ المتأمّل في التجارب
الزوجية، يرى أنّ حاجة المرأة إلى الحب والحنان والرفق والمؤانسة والملاطفة كما هي حاجة الرجل {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ}((البقرة: 2/228)). فعربة
الحياة الزوجية لا تسير سيراً صحيحاً إلا بحصانين، وكلّما تبادل الزوج
والزوجة هذا الدور العاطفي، كان الناتج حياة أسعد وأرغد وأكثر عطاء وبركة
ونجاحاً وتوفيقاً.
يقول (العتبي): ((رأيت
امرأة أعجبتني صورتها، فقلت لها: ألكِ بعل؟ قالت: لا. قلت: أفترغبين في
التزويج؟ قالت: نعم، ولكن لي خصلة أظنّك لا ترضاها، قلت: وما هي؟ قالت:
بياضٌ برأسي (تعني الشيب) قال: فثنيت عنان فرسي وسرت قليلاً (أي أنه صرف النظر عنها) فنادتني: أقسمتُ عليكَ لتقفنَّ. ثم أتت إلى موضع خالٍ فكشفت عن شعرٍ كأنّه العناقيد السود، فقالت: والله ما بلغت العشرين، ولكن عرّفتك أنّا نكره منك ما تكره منّا! قال: فخجلت))(6).
ولعلّ
هذه القصّة تعبّر أصدق تعبير عن أنّ المرأة تحبّ من الرجل ما يحبَّ منها،
وتكره منه ما يكره منها، ذلك أنّها في التقييم النهائي إنسان مثله.